2020-12-14

سأرحل من مدينة صفرو إلى قرية فاس

sefrou_image

سأرحل من مدينة صفرو إلى قرية فاس

"سأرحل من مدينة صفرو إلى قرية فاس" مقولة يستشهد بها سكان مدينة صفرو ويفتخرون بها للمولى إدريس الثاني، قول ما زال يتردد على ألسنة أهل المدينة حينما يريدون التباهي بعراقة مدينتهم وأصالتها أمام الفاسيين، وليعلنوا أنها تأسست قبل فاس بفترة طويلة، ويستدل بها المؤرخون كذلك لتوضيح أن مدينة صفرو سبقت فاس إلى الحضارة.
مدينة صفرو تسمى أيضًا "أورشليم الصغيرة" عند اليهود، و"حديقة المغرب" عند الفرنسيين، و"مدينة حب الملوك" عند سكانها، مدينة صغيرة تقع في سفح جبال الأطلس المتوسط على بُعد 28 كيلومترًا جنوب شرق فاس، على جوانب سلسلة الأطلس المتوسط.
حفيظة وجمان
أول ما ستلحظ وأنت تزور صفرو للوهلة الأولى أنها مدينة قديمة، أسوارها وأزقتها تشهد على عراقتها وأصالتها، وتراثها التاريخي والعمراني والثقافي الإسلامي واليهودي، لتكتشف أنها ليست مجرد مدينة بل هي روضة من رياض المغرب الجميلة، وحوض من أحواضه الفاتنة الخلابة، وواحة من الأمان للباحث عن مكان للراحة والاستجمام بعيدًا عن ضوضاء المدن الكبيرة.
أسوراها العالية الضاربة في القدم، تشهد على الحضارات التي مرت عبر تلك المدينة، جنانها وأشجارها الكثيرة والمتنوعة من شجر الأرز وشجر الزيتون وغيرهما ترحب قبل الوصول إليها بخمسة كيلومترات، تسحرك أحياؤها العتيقة، وجنانها وأشجارها الكثيرة الوارفة، وغاباتها الموحشة، ومغاراتها المأهولة، وعيونها المتدفقة، وشلالها المنهمر وواديها الجارف ومهرجانها العريق.
وأول ما تستقبلك به صفرو هو سور "باب المقام" الشامخ والشاهد على تاريخ المدينة الصامد ضد الغارات، مع حدائق غنّاء مميزة ومختلفة عن أي حدائق في أي مكان، فالحديقة المتمركزة وسط المدينة والقريبة من "باب المقام" حلزونية الشكل، فيها مقهى مميز يُشرف على حوض سباحة أنيق، مع جسر صغير يمر من تحته وادي نهر "أغاي"، المشهور لشلاله المنهمر،وتحف النهر أشجار باسقة وحدائق ظليلة.
ويقسم نهر "أغاي" المدينة إلى جزأين متماثلين تقريبا، تصلهما جسور كثيرة تشبه جسور نهر "تايمز" في مدينة الضباب، وجداول المياه تمر وسط الأحياء السكنية باردة ومنعشة ونقية.
جمال صفرو أدنى إلى ثمرة الكرز يستهوي كل زائريها ويخلب ألبابهم وينتهب أنفاسهم، وسكان المدينة لا يتركونها أبدًا إلا بعد أن يقطعوا عهدًا على أنفسهم بالعودة إلى أحضانها.
شلال صفرو
لا يمكنك زيارة صفرو من دون زيارة شلالها الشهير، فالرحلة لن تكون مكتملة، شلال منبعه نهر "أغاي"، هدية الله لسكان هذه المدينة، تحفة طبيعة وهبت لهم، قوي وصافٍ ومنظره خلاب، تقف مندهشًا أمام قوته وجماله، تحيطه مغارات وكهوف اتخذها سكان صفرو مسكنًا لهم قديمًا، هواؤه منعش يجعل ذهنك صافيًا، يشدك إليه حتى تود لو تترك كل مشاغل الحياة وبقيت قربه، تسمع هديره وتستمتع بجماله، الطريق إليه سهلة على الأقدام أو في سيارة أجرة صغيرة لا يتعدى ثمنها 5 أو 7 دراهم، لكن ننصح بالذهاب إليه على الأقدام، لتستمتع بالمناظر الخلابة وبروعة وجمال البيوت الصغيرة على طول الطريق، لتصادف في الطريق إليه "القلعة" وهي من بين أقدم الأماكن التاريخية في المدينة، وقد كانت النواة الأولى للمدينة، بُنيت لرد الهجمات، وتطل أيضًا على نهر "أغاي" في منظر يأسر الألباب.
ضريح سيدي بوسرغين
على قمة جبل صغير يطل على صفرو من بعد 3 كيلومترات ستجد ضريح "سيدي علي بوسرغين"، الذي يقصده الزوّار من مختلف مناطق المغرب وبخاصة القريبة من المدينة، وتقصده النساء للتبرك حتى تتجاوزن المشكلات التي يعانين منها مثل العنوسة أو العقم وفق المعتقدات الشعبية الأسطورية هناك.
ويمكنك من فوق الضريح أن ترى مدينة صفرو من فوق، المنظر يجعل الزائر يقف وقفة إكبار أمامه، جميع معالم المدينة تتجلى من هناك، ولا تنسى الدخول لزيارة الضريح لاستعادة تاريخ المنطقة، ولتتمتع بمشاهدة عمرانه، كما لابد للنساء من تجربة نقش الحناء، فهي تجربة فريدة فعلاً، ويتناوب على تدبير شؤون الضريح ما يقرب من 80 شخصًا، وإلى جانب زيارة ضريح سيدي علي بوسرغين، فإن الزوار يقصدون كذلك مواقع مجاورة للتبرك، منها موقع "لَلا رُقيّة" التي تقصدها الراغبات في الزواج وفق المعتقدات الشعبية، وموقع "مولاي عبد القادر الجيلالي"، وهي مواقع ليست هناك معطيات تاريخية حولها.
تحيط الضريح غابات الأرز والزيتون، لتشكل منظرًا طبيعيًّا جميلاً يستحق المشاهدة، وبخاصة في فصل الربيع، ويستحق أن يلتفت إليه الفنانون والمخرجون المغاربة، فبدلاً من التصوير في تركيا ولبنان وأوروبا يمكنهم استغلال هذه الأماكن للتصوير فيها والتعريف بها.
صفرو والديانات الثلاث
تتميز صفرو بتاريخها المتعدد الذي صنعه تعايش الديانات الإسلامية والمسيحية واليهودية عبر التاريخ، وعلى الرغم من أن هذه الخصوصيات أصبحت ذكريات من الماضي، فإن أطلالها ما تزال حاضرة في أحيائها العتيقة، وإلى جانب مقابر اليهود والمسيحيين ومعابدهم وكنائسهم، فإن المدينة تشهد حضورًا كبيرًا للزوايا التي تتميز مقارها وسط المدينة العتيقة بصغرها، لكنها على العموم تتشكل من فضاء للصلاة ومدرسة لحفظ القرآن وفضاء مفتوح، إلى جانب صالة لاجتماعات المريدين.
ومن أبرز هذه الزوايا "زاوية مولاي علي الشريف" التي أنشأها السلطان مولاي عبد الله في سنة 1728 لاستقبال علماء تافيلالت في المدينة، وزاوية "سيدي محمد بنعيسى" التي تأسست في القرن 18م لاحتضان أتباع عيساوة في المدينة، وزاوية "القنادسة" التي أسست في عام 1780 من قبل سيدي محمد بن بوزيان القندوسي وزاوية "سيدي الحسن بن أحمد"، التي تعد من أهم الزوايا في المدينة، ويحج إليها أتباع الزاوية الدرقاوية للتبرك بضريح هذا الولي الذي شيد في القرن 18م، وزاوية "سيدي الخضير"، التي أنشئت سنة 1830 من قبل الحبيب زرو، وكان من أتباع الزاوية الدرقاوية، وزاوية "سيدي الغازي"، وتأسست بدورها سنة 1831 من قبل أحد المنحدرين من عائلة هذا الولي.
كما تضم صفرو زوايا أخرى منها زاوية سيدي عبد القادر الجيلالي وزاوية سيدي محمد بن العربي والزاوية "التيجانية" والزاوية "الكتانية" والزاوية "الصادقية"، ولكن أغلب هذه الزوايا لم يعد لها حضور في الساحة، إضافة إلى الزوايا فإن المدينة معروفة بأضرحتها التسعة، ومن أشهرها سيدي بومدان وسيدي أحمد التادلي، وضريح سيدي علي بوسرغين الذي تحدثنا عنه.
المدينة القديمة لمحبي الآثار
المدينة القديمة في صفرو تُشبه جُل المدن القديمة في المغرب، لكن لها نكتها الخاصة المميزة، لها عدة أبواب أشهرها "باب المقام" و"باب المربع"، الزائر لها يشعر بأن الزمن يتوقف في أماكن معينة، تجد لها زخمًا كبيرًا من الآثار، تجمع بين ما هو إسلامي، وأندلسي، ويهودي، وذو طابع مغربي محض، يدل على التعايش الذي عرفته المدينة.
بعض الأحياء تحمل أسماء شخصيات يهودية عاشت في المدينة، ولها أضرحة معروفة، أهم أحياء المدينة القديمة "سيتي مسعودة"، "الملاح"، "درب الميتر"، "سيدي حمد التادلي" وغيرها، تجد فيها مطاعم شعبية كثيرة، وجباتها في المتناول وتحمل خصائص المطبخ الصفروي الذي لا يقل عن المطبخ الفاسي، بل يتعداه في أحيان كثيرة.
فمرحبا بكم في مدينة حب الملوك

: الكاتب



عدد المشاهدات : 4106

← رجوع


© Sefrou.com 2020