2020-12-14

مدّاح النبي صفرو

sefrou_image

مدّاح النبي صفرو

إذا كان «حرْبا» يثير الفرجة والضحك أمام جمهور عريض من المتحلّقين لفترة
طويلة ثم اختفى؛ فإن مدّاح النبي كان يمثل الحوادث، والمحن، والبلايا، والمواقف التي تثير الخوف والشفقة والخشوع في قلوب المتحلّقين حوله.
يختار مكانا ظليلا تحت شجرة، ثم يبدأ حلقته بمفرده وليس معه إلا الفكرة المطوية في خياله. وحتى إن لم تكن؛ فينبغي ابتداعها «كانْ وْليّد فْي زْمان النْبي مُولوع بالخْمر، يسكر بالليل بالسْتر، ساكَن هُوَ وامِّيمْتُه البْيوت فارْقين…».
بهذه المقدمة المختارة بعناية فائقة، تبدأ الحلقة بالتشكّل، لكنها متناثرة. فردٌ هنا وآخر هناك، ولابد من خلخلة الجمود لتوسيع دائرتها وسد ثغراتها، ويبقى هو وحده المضطلع بهذا الدور.
صحيح أنه يبدو هزيل المتاع، ماندولينة متواضعة، وأصابع مدربة، وحنجرة ذات صوت شجي، لكنه يمتلك رصيدا ضخما يستطيع من خلاله أن يجعل كل متفرج في حلقته واقفا كالصنم لوقت طويل؛ فلا ينتهي حتى يتبرعون عليه بما يضمن القوت لأفراخه.
لدى مدّاح النبي أسلوبه الشخصي الذي يترك انطباعا حافرا في نفسية الجمهور: «فْحَقْ لْوَالْدِينْ يا ابْنَ ادَمْ تَنْبَاعْ، وْتَمْشي للسّوقْ فَ ادْلاَلَة. نْسيتْ يُومْ كُنْتْ فَ الْبَزّولَة رَضّاعْ، وْمَا فُوقْ ابْسالْتَكْ ابْسالَة. نْسيتْ حَقْ لْوَالْدينْ يَا وَرّاعْ، وَنْسيتْ لَقْماطْ فَ الْحُوّامّة. احْسانْ الْوَالْدينْ مَا يْجَازيهْ غِيرْ مُولاَنَا سَبْحَانُه تَعَالَى!»
بِذِكر الوالدين يتخلخل الجمود؛ فيمدّد الحديث إلى أبعد مدى، وقد يُغْنيه بتفاصيل إضافية أخرى، تدور حول أسرار الموت وما يمكن أن يحدث بعد الانتهاء من عميلة الدفن: «حَفْرو ليَ قَبْري فَ خْلا. دَارُو الْما فْ طاسَة تَغْلي. جَابُو لِيَ كَفْني. غَسْلوني بَالْما دَافي. لَبْسوني كَفْني وَافي. حَطّوني فُوقْ الْمَحْمَل. قُلْتْ لِيهَا يَا أَرْضْ الله. قَالَتْ لِيَ مَالَكْ مَهْبُولْ؟ فِينْ هُوَ اللّي كَانْ يْصُولْ؟ فِينْ نَمْرُودْ بْنُ كَنْعَانْ؟ فِينْ فَرعُون بْنُ هامان؟ لاَ إلَهَ إلاّ اللهْ، لاَ إلَهَ إلاّ الله..!»
ومن أهمّ ما يلفت النظر، هو ترديد الجمهور بنفس الجرْس الموسيقي الذي يستعمله: «مُحمّدْ رَسُول الله، مُحمّدْ رَسُول الله» يرددونها بصوت واحد في جو يملؤه الخشوع والإشفاق.
وفي الختام؛ يذكّر الجمهور بالرجوع إلى الله والعمل من أجل الفوز بالآخرة «اخْزِوْا الشيطانْ يا الخُوت، الدّنيا فانية والفاني باطلْ والباقي هو الله». فيردّون عليه وهم يُنغضون رؤوسهم من الرهبة: «الله يعمّر قْلوبْتا بالله!»
وقبل أن ينفرط عقد الحلقة، لابد وأن يشرع في حلحلة الجيوب وتحريك رغبة العطاء في أشدّ النفوس ضيقا أو بخلا: بالإفراج عن الدرهم والدرهمين دون أن يلزمهم بقيد: «يا سَادَتِي احْباب طَهَ العدنان، بَرْضَاكُمْ عَالْجو الْحـال، يا َنَاسْ الْجُودْ الْفْضال، أنا فِي عَارْ لالّة فاطِمة الزَّهْرَا، الطَّاهْرَة قرة عِين سِيدْنا مُحَمّد!»

عن موقع كرز بريس .com

: الكاتب



عدد المشاهدات : 2155

← رجوع


© Sefrou.com 2020